بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُنزِل الناس منازلهم يوقِّر كبيرهم ويعطف على صغيرهم ويحترمهم ويُكبر بهم ويقدمهم ويُثني على محاسن أعمالهم، ويُبين فضلهم إن كانوا من أهل الفضل ويُخاطب كل واحد بما يليق به من سنٍ ومكانةٍ وعقلٍ وذكاء.
فيخاطب الناس على قدر عقولهم.
وهذا يدعونا إلى السير على طريقه نقتفي أثره ونهتدي بهديه صلى الله عليه وسلم لبيك فهمًا شاملًا سيرًا على نهج الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولا نُحمِّل الناس فوق طاقتهم وجهدهم؛ فبعضهم لا يستوعب ضخامة الأحداث التي يمرُّ بها الآن، ولا مِقدار المأساة الإنسانية والفكرية والقانونية والأخلاقية والسياسية والاجتماعية. بل ربما يتعامل ببلادة حسٍ أو قصورٍ في الفهم والإدراك -مهما كان تعليمه أو انتمائه- فندخل في صراعٍ وجدالٍ ونقاشٍ عقيم، وربما نخسر صديقٌ أو قريبٌ أو عزيزٌ على النفس ونحن نُحمِّله فوق طاقته.
وكلٌ مِنَّا له اهتماماتٌ وميولٌ وبيئةٌ نشأ فيها، وأهدافٌ وغاياتٌ متعددة.
وهذا لا يدعونا إلى عدم النقاش والحوار وإنما يدعونا إلى: **ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ . وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ . وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ . إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل:125-128].
ولنتذكر؛ أن كسب القلوب مُقدَّمٌ على كسب المواقف، وعلى صاحب الفكرة والقضية والغاية أن يغفِر ويصفَح ويسامِح في حقه وعِرضه وماله، تأليفًا للقلوب، وطلبًا للأجر الأخروي، وترفعًا وعفةً لما في أيدي الناس، وطمعًا فيما عند الله وابتغاء مرضاته ويُهيئ الله لها الأسباب والمقدِّمات للوصول إلى المراد.
فمن الناس من يُقادَ إلى الحقِ بالعلم والعمل، أو بالعقل والمنطق، والثقافة والحوار والنقاش، أو بالتقوى والورع، أو بالحجة والبرهان والدليل الشرعي، ومنهم من يُقادَ إلى الحق ببطنه، فكما تهدي الدواب إلى طريقها بحزمةِ برسيم تظل تمدّ إليها فمها حتى تدخل حظيرتها آمنة، فكذلك أصناف من البشر يحتاجون المدخل المناسب والوقت الملائم، حتى تستأنِس بالإيمان وأهله والحق وأصحابه وتهش لهم.